الورقه السابعه - رحمه ونور

     الإحساس بالموت شىء صعب .. لكن لما تبقى عايش جواه فكل قصص الموت لاتحرك ساكناً .. وبتبقى قصص الحياة هى الأكثر إثارة بالنسبة لك ..
     المسافة بين الأوضه اللى عايش فيها عم راغب التربى وبين شواهد القبور الموجودة فى نفس الحوش زى المسافة اللى بيقطعها مابين فكرة والتانيه .. وفى الأخـر بيرسى على الفكرة التانيه رغم إن الفكرة الأولانيه شكلها أحلى .. بس التانية أعمق .. على كلٍ وأياً كانت الأفكار اللى فى دماغه كانت ريحة الموت بتغلفهم .. ولا أى روايح أو عطور الدنيا تقدر على إزالتها .. لأن الريحه بتبقى جوه دماغه .. بتطلع مع أى فكرة كان بيفكر فيها .
     قال يوسع التربيتن تلاته اللى بيحرسهم ويعمل لهم كام شاهد جديد على وش الأرض عشان يساعوا زباين أكتر .. ويخـش لـه قرشين زياده تساعده على المعايش ويوسع على نفسه .. بس الحقيقة أن عمره ماوسع على نفسه .. نفس الجلابيه الرمادى .. ونفس الشبشب المقطوع ولاغاندى فى زمانه .. ينفض تراب الميتين من على جلابيته .. قال إيه بينظف .. ويملى الجردل ميه ويرش الحوش كله .. قال إيه بيرطب على الأموات .. بس الحقيقة إنــه قاصـد يهبط التراب اللى فى الجو .. واللى يشوفه من بعيد يفتكره بيتوضى .. وأول ما يعدى قدامه أى حد يعمل قال إيه بيتوضى ..أو يمكن بيتوضى فعلاً .. و يسوى التراب ويروح ضارب دماغه فى الأرض قال إيه بيصلى .. ودايماً كلامه مابيخلاش من ذكر اللـه عز وجل .. وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام .. وآل البيت رضى اللـه عنهم أجمعين .. قال إيه بيذكر ..
     إحتمالية إنه كان بيعمل الحاجات دى بجد أضعف بكتير من إحتمالية إنه كان بيعملهم عشان يكسب ثقة الناس اللى حواليه .. ويعيش - الناس فى الزمن ده ممكن تعمل أى حاجه عشان تكسب ثقة الناس اللى حواليهـا عشان تشتغل وتعيش -  بس الحقيقة تتقال إنك عمرك ماتقصده فى خدمه إلا وتلاقيه .. دا بقى قدام عينى ..
-      معلش ياعم شوريك ..
     أه .. ماهو ده الإسم الحركى لعم راغب .. العيال سميته كده – عم شوريك – وده طبعاً عشان هو المسئول الأول عن توزيع الشوريك وقرص الرحمه كل خميس وفى الأعياد ..
-      معلش ياعم شوريك .. يبقى لك خمسين جنيه ..
-  ياعم .. هو إحنا ح نروح من بعض فين ؟.. الناس لبعضيها .. بس خليك فاكر أصل أنا بنسى .. كده يبقى عندك نصين ..
     غريـبه .. الراجـل يقـول لـه خمـسين جنيه .. وهو يقول له نصين .. قصده ميه .؟.. فيه حد فى الزمن ده يسلف ميه جنيه .. خمسين فى خمسين .. راجل خدوم صحيح ..
     فى ليله قلت أختصر السكه .. وأعدى من وسط الترب .. كنت عايز أوصل بسـرعه للسـرير .. أصلـى ببقى تعبان جداً بعد يوم شغل ..رغم إن شغلى كله كلام ..
المهم ..
     يوميها الأرض إختلفت تحت رجلى .. مابقيتش عارف الطريق منين .. إلأ و اسمع لك صـوت ياسين التهامى جاى من بعيد .. سارح مع الهوا .. اللـه .. اللـه .. اللـه .. كـرامات وكده .. والا إيه ؟.. واللى زاد خوفى وفضولى فى نفس الوقت .. بخـة النور اللى خارجه من حوش .. متهىء لى إنى شفته قبل كده مهجور .. وأفتكرت كلمة عم شوريك عن الحوش المهجور .. قربت م الشباك الحديد .. إلأ وألقى لك بشر جوه الحوش .. وكلوبين منورين .. والجوزه دايره مابينهم .. ده غير الأزايز اللى تحت رجليهم وعايشين مع نفسهم .. والمح لك عم شوريك واقف بعيد مع واحد .. بيدى له حاجه وياخد منه فلوس .. ويشاور له على الحوش .. يادماغك ياعم شوريك.. بقى بعد العمر ده كله أكتشف فى الأخـر إنك أكـبر تاجر كـيوف فـى المنـطقه .. كـل أنـواع الكـيوف .. حـتى ولامـؤاخذه لـو مـعاك واحده كده .. ومـش لاقى متوى .. يجيب لك .. ولو مامعكشى واحده كده.. يتصرف لك.. راجـل خدوم .. مش بقولك أياً كانت الفكرتين ريحة الموت مخلفاهم ..
     عرفت بعد كده .. إنه كان بيروح يجيب المخدرات من حته بعيده .. ويدفنها فى التربه جنب الميتين .. يزيح الجتت والعظم ويحط البضاعه .. وبعد كده ينزل يومين تلاته ورا بعض عشان يقطعها ويقسمها .. كل حاجه وسعرها .. راجل مابيحبش يظلم .. متهىء لى إنه كان بيعيش فى التربه أكتر ماكان بيعيش فى أوضته ..
     أكتر واحد كان بيحكم مابين إتنين .. بالعدل .. يقعد يسمع ده ويسمع ده .. وفى الآخـر وبكل هدوء ..
-  أنا لايهمنى ده ولا ده .. بس الحق يتقال .. أنت اللى غلطان وهو ليه حق عندك .. ياأخى خلى قلبك على قلب أخوك ..
     ويروح واخد اللى فيه القسمه من الأتنين .. أصلهم كانوا بيحكموه بالفلوس .. كتير كانت بتستوقفنى تصرفات الراجل ده .. عمره مابص لأى واحده م اللى بيجوا الحوش بصه وحشه .. حتى لو كانت مُلعَب .. لكن ماعندوش مانع إنه يجيب متوى لعيل وعيله عشان يريحوا نفسهم مقابل عشرين تلاتين جنيه .. بيتاجر فى كل أنواع المحرمات .. وبيواظـب على الصلاة .. بيجمع الفلوس من أى حته وبأى طريقه .. ويقعد يرص القرش ع القرش ويستفهم فى البنك .. قصدى التربه .. لكن تشوفه ولا الزهاد .. يكفيه القليل .. وماعندوش مانع يقف ساعه جنب أى حد متأكد إنه ح يطلع منه ولو نص جنيه ..حكايه عم راغب ..
**
     الأيام لما بتجرى بتغير ملامحنا .. بتاخد منا الشـعر الأسـود و يبتدى يحل محله الشعر الأبيض .. اللى ممكن يخلى واحد شكله أجمل .. أو يبقى زيك ياعم شوريك .. البشره الباهته اللى عامله زى البلاستيك الردىء .. والشعر الأشعث .. لما شفته عمرى ماكنت أتصـور إنى ح أشوف أتقل حركه ممكن أشوفها فى حياتى .. مابيتحركشى أكتر من المترين اللى كان عايش فيهم .. يحرك رجله ببطىء شديد .. من بطىء حركته تفتكره واقف مكانه .. لكن الشهاده للـه لأخـر يوم من عمره كان مخلص .. لمبادئه ..
     بيتقال إنهم  ماعرفوش إنه مات الأ لما ريحة الموت طلعت .. بس الغريب إن ماحدش من التربيه المعروفين رضى يدفنه .. بس ربك ستار .. طلع لك واحد من تحت الأرض .. عرفت بعد كده إنه أتطوع يدفنه .. قال إيه عشان يمسك مكانه ويقعد فى الأوضه اللى كان عايش فيها بدل الطل اللى هو فيه ..
     الأغرب إنه ماقعدشى فى الترب أكتر من إسبوعين وإختفى زى ماظهر .. ماحدش فكر يسأل هو راح فين ؟..     
شخص مش مهم ظـهر ..
شخص مش مهم إختفى ..
     بس الحق يتقال لما عرفت إن عم شوريك مات بالشكل ده زعلـت ولقـيت نفـسى بقـول اللـه يرحمه ..
  - تفـتكر ؟..
***

هناك 6 تعليقات:

  1. نضال - لبنان - كندا13 ديسمبر 2010 في 4:12 ص

    الله بيرحم الجميع .. شو هالقصه ..

    ردحذف
  2. احمد الغلبان المحامى - مصر ..13 ديسمبر 2010 في 4:15 ص

    كلنا داخلنا نفس التناقض ولكن كل واحد بنسبه .. رائعه ياعسكر ..

    ردحذف
  3. القصه بها فلسفه كبيره .. كلنا فعلا عم شوريك لكن كل واحد فينا له شكله .. انا بشوف ناس فعلا بتتكلم عن ربنا تقول كلها ورع ونفس الوقت اشوفهم فى اماكن اخرى كسى السيد لما يروح للراقصات ..

    ردحذف
  4. احب هذه الكتابات التى تحمل بعض الفلسفات التى توقظ فى نفس القارىء بعض مما عايشه فى حياته فهى تنير له الطريق على حياته ..سعيد بما قرأت وأتمنى ان أراها فى المكتبات كى أحتفظ بها ..

    ردحذف
  5. انا ماليش فى الكتبه بس الروايه حلوه .. مش عارفه بقى روايه ولا قصه بس هى حلوه فكرتنى بناس شفتهم .
    سمر

    ردحذف
  6. افتكر .. رحمه ربنا كبيره .. الروايه هايله ومؤثره ..

    ردحذف